الأحد، 11 أغسطس 2019

يحكى أن بقلم الشاعر سليمان دغش

يُحكى أنَّ (٢)/ سليمان دغش

يُحكى أنَّ عناةَ الكنعانيَّةَ ذات  العينينِ الزرقاوينٍ بلونِ البحرِ الساجدِ عندَ أصابعِ قدميها العشرَةِ كانتْ تَتَشَمَّسُ حافيةً الروحِ على شاطئِ حيفا
يَعشًقَها البَحرُ وتَعشَقُهُ فيُعَمِّدُ كلَّ صباحٍ قَدَمَيها بمياهِ المُتَوَسِّطِ، تؤنسُها دَندَنَةُ الموجِ على قدَمَيها الحافِيَتَينِ كلوحِ بيانو بمَفاتيحَ من الألماسِ المَطلِيِّ بماءِ الياقوتِ على شمعِ أظافِرِها، فلِمَنْ تُسْلِمُ مِفتاحَ الصولِ عناةُ وسُلَّمَها الموسيقيَّ سوى للبَحرِ؟
فلا موزارتَ ولا شوبانَ ولا بتهوفِنَ يُتقِنُ أوركِسترا البَحرِ على قَدَمَيها حينَ يَفيضُ البَلّورُ مِن كريستال الساقَينِ إلى شَفَةِ البحرِ المَحمومِ بفَيضِ النورِ العالي...
ثمةَ سرٌّ لا يَعلمهُ غير اللهِ فأوحى للبحر يحاصرُ خاتمَ خاصِرِها ويُقَبِّلُ كُلَّ صباحٍ سُرَّتَها البِكرَ على شَكلِ محارَةِ بَحرٍ تُدعى يافا...
كمْ هامَ البَحرُ وهَمَّ بها، أثمَلَهُ عطرُ الليمونِ يُطَوِّقُ تاءَ التأنيثِ تَجَلَّتْ كالأيقونَةِ في سُرَّتِها العذراءِ كَنَرجَسَةٍ لمْ يَلمَسْها غيرُ شُعاعِ الشَّمسِ تَهادى عِبرَ حُبَيباتِ الطَّلِ إلى مَيْسَمِها عِندَ الصُّبحِ وأسرى تحتَ وِشاحِ الليلِ يَهِشُّ النَّجَماتِ إلى مِخدَعِها...
لمْ يَزَلِ البَحرُ كعادَتِهِ مذ كانَ اللهُ وكانَ البَحرُ يُحاوِلُ عَبَثاً أنْ يَعلو قِمًّةَ نَهدَيْها المَذعورَينِ كَقُبَّرَتَينِ على صَدرٍ يَتَعالى في كَرمِلِ حيفا...
وتَقولُ الأسطورةُ : يُحكى أنَّ الحوتَ الأزرَقَ حاوَلَ أنْ يَبتَلِعَ الكِنعانِيَّةَ ذاتَ دُوارٍ مَحمومٍ بخُرافاتِ التَّلمودِ وَصِفرِ الحاخامِ الأكبَرِ، لكنَّ عناةَ استَعصَتْ المرَّةَ تِلوَ المَرَّةِ...
هلْ يؤتَمَنُ البَحرُ عناةُ وهلْ تُؤتَمَنُ الرّيحُ الغَربِيَّةُ؟
لا يؤتَمَنُ البَحرُ ولا تؤتَمَنُ الرّيحُ تقولُ عَناةُ وتَسحَبُ ذَيْلَ قَميصِ النَّومِ إلى آخِرِ نَفَسٍ في البحرِ على ساقَيْها العارِيَتَينِ لكَيْ تَخلَعَهُ حتى آخرِ شهقاتِ الجَزْرِ فَهَلْ أحَدٌ غيرُ عناةَ أذَلَّ البَحرَ؟
وَيُحكى أنَّ يِهوشَعَ بن نون التائِهَ في صحراء الأسطورَةِ، أربَعَةَ عُقودٍ كاملةً، قادَ الجُندَ إلى شاطِئِها الغَربيِّ على صَهوَةِ عِجلٍّ في التّوراةِ وباغَتَها،
سادَ ظلامٌ، طارَ حَمامٌ ودِماءٌ خَضَّبَتِ الأرضَ الثاكِلَ، مذ ذاكَ اليوم الدامي لم يسقُطْ مَطَرٌ يا "بَعلُ" على كنعانَ
ويُحكى أنَّ عَناةَ الكِنعانيَّةَ ما زالتْ عارِيَةَ الرّوحِ على شاطِئِها المفتوحِ بوجهِ الريحِ،
فكم حوتاً أزرَقَ جاءَكِ يا سيِّدَةَ الكَونِ ويا مبتَدَأَ الكُنّ ويا أوَّلَ فردَوسٍ في الأرضِ تَجَلّى فيهِ اللهُ! فكَيفَ تكونُ الجَنَّةُ أجمَلَ منكِ؟ والرّوحُ القُدُسُ اختارَكِ في الرؤيا وبشارَةِ مريَمَ فاكتَمَلَ الثالوثُ بقُدُسِ الأحرفِ قُدساً، يا قُدسُ فَعُذراً مِنكِ فما زالَ طويلاً دَربُ الآلامِ على دلوروزا قيامتِنا
عذراً يا سيِّدَتي الأولى،
لنْ أختارَ الجَنَّةَ بَعدَكَ...
حسبي أنّيَ فيكِ وحَسبي
أنَّكِ أنتِ الجَنَّةْ
يُحكى أنَّ

سليمان دغش/ فلسطين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لوح خشب بقلم شاعر الناي الحزين محمود درويش

  لوح خشب ......... لوح خشب والموجه عاليه وانا أحلامي مش طايله لوح خشب فى مهب الريح تلعبه موجه مستعفيه والهوي تباريح  شايل حمولي علي كفي  وح...