الخميس، 22 أغسطس 2019

سنابل حبلى بقلم الشاعر وليد العايش

( سنابلٌ حُبلى )
________
حصيرةٌ تُلامِسُ شِغافَ الثرى بِعناقٍ مُثير ، الوسادةُ الحُبلى بعيدْانِ قشٍّ منِ زمنِ قصبِ النهرِ الأزليّ تُناورُ بمكانها ، أبريقُ شايٍ وكأسٌ على حافةِ عُمْرٍ عتيق ، المِنجلُ يتأرجحُ على جِدارٍ طينيِّ الملامح ، يحتسي الفلاحُ الخمسينيُّ آخر رشفةٍ مِنَ الكأس ثُمَّ يمضي ، تجاوزتْ عقاربُ الساعةِ مُنتصفَ ليلٍ صيفيّ ، الزوجةُ مازالتْ تلتحِفُ أشلاءَ وسادة ، قميصُ نومِها الأحمر يُدندِنُ لحنَّ الحُبِّ في رُدهةِ زاويةٍ مُتخفّية , الحصيرة تكاد تشي بأسرار تلك الليلة ، يمتطي الرجلُ مِنجلَهُ ، حِذاءٌ بلاستيكيٌّ أسودَ تغلبَ على ظُلمةٍ هادئة ، هُناكَ على ضِفّةٍ أُخرى ، تنتظرُ سنابلُ قمحٍ ، تُحاولُ الصمودَ قليلاً , ورُبما كانت تُحاولُ الفرار ، ترنيمةُ موالٍ تكسِرُ سكونَ الليل ، يمدُّ المِنجلُ لِسانَهُ الحادِّ ، السنابلُ تتهاوى منْ شُموخها للحظاتِ , ما تلبثُ أنْ تُعاوِد اِستجماعَ قِواها , جمهرةٌ على صدأ الأرضِ ، قطراتُ الندى تُطِلُّ بِرأسِها منْ خلفِ أُفقٍ عنيد ، التعبُ يُعلِنُ قدومه ، إنّهُ الحاضرُ الذي لا يغيب ، أسندَ الفلاحُ مِنجلهُ إلى كتفِ كومِ سنابل ، دُخانُ سيجارةٍ يُدغدِغُ قطرات الندى ، ينفثُها منْ أعماقٍ مُهترئة ، قذفَ بآخرِ بقايا السيجارة ، لِيُمسكَ المِنجلَ مرّةً أُخرى ، فجأةً رمى بهِ وجَرَى خلفَ جذعِ سيجارتهِ ، مازالَ بصيصُها حيّاً ، دَسَّهُ بينَ ذراتِ التُرابِ النديّة ، أشعةُ الشمسِ تحتفلُ بولادةِ فجرها ، صوتٌ آتٍ من بين براثنِ مطرقةٍ مُرهقة يدقُّ مسامعَ الزوجة التي كانت هُناكَ على تلك الحصيرة ، قميصُها الأحمرُ مازالَ يُعانِقُ الجسدَ الأسمرَ بِشغفِ رجل ، قفزتْ منْ مخدعها : ( يا إلهي أشرقتْ الشمس وأنا هنا ) اِبتسمَ الفلاحُ وهو يدسُّ قِطعةَ الخُبزِ الساخنةِ بجوفهِ المُتربّص ، الزوجةُ ترْقُبُ رَقْصَ السنابل ، الصباحُ يُلبي دعوةَ الديكِ المُزركش , سنبلةٌ تتمردُ بشموخٍ على هاويةِ المنجل ...
________
وليد.ع.العايش
21/8/2016م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لوح خشب بقلم شاعر الناي الحزين محمود درويش

  لوح خشب ......... لوح خشب والموجه عاليه وانا أحلامي مش طايله لوح خشب فى مهب الريح تلعبه موجه مستعفيه والهوي تباريح  شايل حمولي علي كفي  وح...